25‏/05‏/2015

التنشيط التربوي أزمة الواقع ورهانات المستقبل

يشهد التنشيط التربوي اليوم تراجعا على مستوى مكانته الإجتماعية ودوره التربوي وهو ما تعكسه مؤشرات تراجع نسب المستفيدين من خدماته ، والتي يمكن أن تكون مرتبطة بعوامل خارجية مردها تغير حاجات المستفيدين وطلباتهم و أيضا تغير التركيبة المجتمعية بما فيها من منظومة خدمات وزمن مدرسي وغيرها من المتغيرات الخارجية إلا أننا لا ننفي وجود عوامل داخلية عمقت الوضع ولم تنحو نحو رتق الهوة وإيجاد الحلول .
إن ما يطرحه هذا الواقع الجديد من تحديات ومسارات ووضعيات جديدة يدعونا للتأمل والتفكير وللتشخيص والتحليل قصد بيان الصورة الحقيقية وقصد البدء في التفكير في حلول جذرية تنطلق بتوعية المشرفين المباشرين على هذا القطاع ليتحملوا مسؤوليات تراجعه وليكونوا فاعلين حقيقيين في مسيرة إحيائه فإصلاح هذه المنظومة لن يكون رهين تدخل المشرفين فحسب ما لم يكن الفاعلون من مختلف مواقعهم طرفا أساسيا في خلق وإدارة التغيير .
إن المؤسسة التنشيطية منخرطة في منظومة المجتمع وعليها أن تسعى لتطوير أدائها ووسائلها وأهدافها وذلك مواكبة لهذا الواقع الجديد والتخلي عن النظريات التقليدية والوسائل الاعتيادية في التنشيط والقطع مع البرامج المناسباتية والشكلية  قصد الإنسجام مع مسار التطورات وحتى لا يبقى هذا القطاع رهن التجاوز والتهميش والتوظيف، فعزوف الأطفال اليوم عن مؤسسات الطفولة إنما يعكس عدم تلبية هذه المؤسسة لحاجاتهم ولحاجات المجتمع ويعكس خروجا عن سياق الطلب الإجتماعي والتربوي.
هذا التحدي الذي يفرضه الواقع الجديد على الهياكل والمؤسسات التربوية التنشيطية يدعونا جميعا للتفكير والتدخل  قصد النهوض بواقعنا  وقصد بناء رؤية جديدة تساير واقع التحولات الذي يدعونا للتدخل والمواكبة فكما يقول كروس في كتابه "الإنفجار التربوي" [1].
« إن التطور الحضاري يعكس هياكل تربوية جديدة مما يوجد مشكلات وتحديات لرجال التربية تتطلب منهم حلولا مستجدة »
1.     جذور الأزمة :
1.1            الأسباب الخارجية :  
1.1.1     تقلص الوقت الحر في مقابل تنامي الزمن المدرسي:  لا شك في أن الضغط المدرسي وطبيعة الزمن المدرسي أثر على تقلص زمن الوقت الحر لدى الأطفال حيث أنهم لا يجدون الزمن الكافي للإلتحاق بمؤسسات التنشيط وهو ما يعكسه تواجدهم فقط في آخر الأسبوع بمؤسسات التنشيط التربوي الإجتماعي فالعمل بحصتين وسعي الاولياء لتامين خدمات الدعم المدرسي و الذي يرد لتراجع مستوى الإكتساب في فضاء المدرسة نتيجة تراجع الىداء المهني من بين أهم الأسباب التي جعلت الأسر تبحث عن بدائل لتطوير مكتسبات أبنائهم على حساب توجيههم لمؤسسات التنشيط التربوي ...
1.1.2     ظهور مؤسسات الحضانة المدرسية : لقد تزامن ظهور وانتشار مؤسسات المحاضن المدرسية على نسبة مرتادي نوادي التنشيط حيث أصبح الولي يفضل توجيه ابنه لهذه المؤسسات لسببين الأول دعم مكتسبات ابنه التعليمية والثانية تكفل المؤسسة بحضانة ورعاية الطفل حيث تؤمن له المأكل والمرافقة من المؤسسة للمدرسة فلا يضطر الولي لمرافقة ابنه وهو ما يستجيب لحاجاته ووضعيته الغجتماعية نظرا لارتباط الأب والأم بزمن الوظيفة وتقلص العائلات الممتدة التي كانت تعني بمتابعة وحضانة الأبناء ...
1.1.3     تنامي الإهتمام بمؤسسات الدعم المدرسي: أصبح الشغل الشاغل للولي هو تحسين مردود ابنه الدراسي وتقلص الغهتمام بمجالات التنشيط وهو واقع فرضه نسق الحياة ووضع المنظومة التربوية الرسمية وقلة وعي الولي بأهمية التنشيط التربوي على مستوى بناء الشخصية المتوازنة للطفل وهو ما ضاعف الضغط المدرسي على الاطفال لغياب المتنفس للترفيه والتعبير مما يعكس تنامي ظواهر العنف وفرط الحركة وقلة التركيز والإنحراف بمختلف أشكاله في حين أن التنشيط هو العلاج الأنسب لتحسين مردود الاطفال ومنحهم طاقة ذهنية وجسدية جديدة لتحسين مردودهم الدراسي .
1.1.4     تراجع إهتمام الاولياء بقيمة التنشيط التربوي :  تمثل العائلات للتنشيط التربوي سلبي ويكاد يكون معدوما فالطفل والولي اليوم يوجدون بدائل للترفيه والتنشيط تتمثل في وسائل الإتصال والترفيه الحديثة والنوادي المختصة حيث يميل كل من الأطفال والأولياء للترفيه في الوسط العائلي من خلال التجهيزات والوسائل السمعية البصرية الحديثة ومن خلال نوادي مختصة في الموسيقى والرياضة والعروض والخرجات والتي تكون عادة في إطار العائلة في عطل نهاية الأسبوع حيث أصبح الترفيه مقتصرا على أيام الراحة ا أسبوعية حيث يلتقي الأبناء بالأولياء لفترات أطول مقارنة ببقية الأسبوع الذي يكون مكتضا بالإلتزامات المهنية والمدرسية ....
1.1.5     تراجع إهتمام الأطفال بمضامين برامج مؤسسات التنشيط التربوي : لم تطور مؤسسات التنشيط التربوي أنشطتها وبرامجها التربوية فقد حافظت على نفس مجالات التدخل رغم محاولات تطوير البنى الأساسية والتجهيزات إلا أنها لم تكن مثيرة للطفل لجلب اهتمامه ولتلبية حاجياته ويعود ذلك للمضامين بقدر ما يعود للبيداغوجيات والاساليب المعتمدة والتي بقيت رهن التنظير والورق ولم يتم أجرأتها على مستوى الممارسات كما لم تهتم المؤسسة بتوطيد العلاقة بينها وبين الاطفال وبين المربين والاطفال وافرغت من بعدها الإجتماعي والعلائقي والتواصلي والنفسي والعاطفي فأصبحت مؤسسة مفرغة من المضامين ومن الأهداف .
1.1.6     تراجع الإشهار والإعلام الموجه للمؤسسات التنشيطية: لا شك في أن نسبة كبيرة من المجتمع لا تعلم بوجود مؤسسات للتنشيط التربوي الغجتماعي كما لا تعي بقيمة التنشيط في تنشئة الطفل وحمايته وتمكينه من فرص التعبير والتواصل والغبداع وتنمية الملكات والخبرات فالمؤسسة التنشيطية تكاد تكون مجهولة المعالم والخدمات تعمل في محيطها الضيق ولا تسعى للإنفتاح على المجتمع والمحيط ..
1.2            الأسباب الداخلية :
1.2.1     ضعف البنية الأساسية والتجهيزات والوسائل : رغم المحاولات المتكررة للتطوير إلا أن معطم المؤسسات لا تزال تعاني من المشاكل المادية التي تؤثر سلبا على آدائها وعلى طبيعة أنشطتها ، نقص الفضاءات المختصة ، نقص الغطار المختص، ضعف الميزانيات ، غياب الصيانة والمتابعة ، عدم تطوير التجهيزات ومواكبتها لطلبات الأطفال ، نقص الوسائل الترفيهية والتربوية ...
1.2.2     ضعف الأداء المهني وجودة الخدمات التربوية : والذي يعود لعدة أسباب تنطلق من التكوين الأساسي لمربي الطفولة الذي أفرغ من محتوياته وانحرف عن مجال الإختصاص في مضامينه كما أصبح يعتمد المقاربات النظرية ولا يسمح بتراكم خبرات ميدانية وتمكين الإطارات من كفايات فنية وتقنية خاصة في مجالات الفنون والملتميديا والغعلامية والوساطة الفنية ، بالإظافة لعدم تمكن المربين من خبرات في مجال البرمجة والمشروع وبناء الأهداف التربوية وأجرأة مبادئ التنشيط وتفعيل تشريك الطفل والتواصل معه ومنحه مجالات للإبداع ، بالإضافة لضعف الوعي بالمسؤولية وبقيمة العمل التربوي والرسالة التربوية المناطة بعهدة المربي حيث نلاحظ ضمور العلاقة التربوية بين الطفل والمربي وبين المربي والمربي وبين المربي والمؤسسة وبين المربي والقطاع عموما ...
1.2.3     تقلص مجال المبادرة والإبتكار والحرص على إشعاع المؤسسة وتطوير برامجها وانفتاحها على المحيط والتواصل مع الاطفال لرصد حاجاتهم والعمل على ربط الصلة وجذبهم للمؤسسة ، كذلك اقتصار المؤسسة على خدمات التنشيط الروتيني وعدم السعي لتوفير خدمات أخرى كالمتابعة للأطفال واكتشاف قدراتهم وتوظيف امكاناتهم لدعم نشاط المؤسسة وبقي التنشيط رهين إسقاط الانشطة والبرامج على الاطفال وإرغامهم على التنفيذ دون رغبة حقيقية منهم وغالبا ما تخدم الانشطة أهداف المؤسسة وتتلائم مع ميولات المربي ولا تمت للطفل بصلة بل على العكس تنفره منها لروتينها ولعدم استجابتها لحاجاته ...
1.2.4     ضعف التكوين والمتابعة : قد لا يتحمل المربي وحده نتيجة ضعف الىداء فهو رهين المتابعة وتطوير المكتسبات وتوفير الظروف والوسائل المناسبة لتطوير التدخلات وإن نقص المتابعة الراجع لقلة تدخلات التقييم والمتابعة له أثر كما لقلة التكوين خاصة في مجالات التجديد والبيداغوجيا والتواصل وفي مجال التقنيات الحديثة والفنون لعامل مؤثر على تدهور الآداء ، إذ لا بد من دعم المتابعة والتكوين ، تكوين إجرائي هادف لا شكلي مناسباتي يكون ذا أثر نوعي على مستوى المؤسسة والمربي والأطفال ويخلق نقلة نوعية ويستهدف تنمية بشرية ومهنية شاملة ، كما أن لدور الرقابة والمتابعة أثر هام لتخرج من طابعها الشكلي والروتيني إلى تقييم ومتابعة حرفية ومهنية تثمن الجهود وتدعم النقائص والهنات وتؤسس لدعم الآداء ولتطوير المؤسسة وأنشطتها وفق منطلقات ومؤشرات علمية مضبوطة ....
الحلول المحتملة لتطوير الوضع الراهن :
-         مراجعة الزمن المدرسي للاطفال
-         تامين خدمات الحضانة والمراجعة المدرسية بنوادي الاطفال
-         دعم ميزانية المؤسسات التربوية
-         دعم الفضاءات والتجهيزات
-         توفير الوسائل والتقنيات الحديثة للتنشيط مع توفير الصيانة الدورية للوسائل
-         دعم آلية المراقبة والمتابعة والتقييم
-         دعم الإشهار وتوظيف الإعلام للتعريف بالمؤسسات وبأهمية التنشيط التربيو
-         مراجعة التكوين الأساسي للمربين
-         أجراة مبادئ التواصل والمشاركة والحرية في الفعل التربوي
-         أجراة المقاربات النظرية للتنشيط التربوي
-         دعم المكتسبات في مجال ا أساليب التنشيطية والمقاربات البيداغوجية والبرمجة والتخطيط .
-         بعث مراكز جهوية للتكوين ووضع خطط مدروسة ومتكاملة لتطوير الآداء المهني
-         مراجعة المنظومة القانونية و أطر المتابعة والتقييم
-         بعث فضاءات مختصة بكل مؤسسة : موسيقى / براعات يدوية / رياضة / رقص ..
-         توفير آليات للتعاقد مع المختصين لدعم الكفاءات بالمؤسسة التربوية .
-         إبرام اتفاقيات شراكة مع المدارس ومؤسسات الحضانة والرعاية
-         بعث فضاءات للحضانة المدرسية وفضاءات لأطفال ما قبل الدراسة لإضفاء الحركية والإشعاع على المؤسسة .
-         بعث لجان تفكير لتطوير الآداء التربوي للمؤسسات واسترجاع أدوارها وخدماتها
-         عقد ندوة وطنية للتفكير في وضع المؤسسات التنشيطية لرصد الإشكاليات واقتراح الحلول.


-         القيام بدراسات وبحوث ميدانية مختصة لتشخيص الوضع والوقوف على الإشكالات والعوائق التي أثرت سلبا على القطاع ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق